شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
83139 مشاهدة
مسألة: بعض أحاديث الصفات

وقوله:
( ومن السنة، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة إلى سماء الدنيا .


شرح:
هذه من أحاديث الصفات الفعلية، فأحاديث النزول ذكر ابن كثير وغيره أنها متواترة، وأكثرها مذكور في كتاب ابن القيم المسمى ( الصواعق المرسلة )، وكذلك في كتاب حافظ الحكمي ( معارج القبول )، وفي أمهات الكتب - بلفظ ( نزل ) أو ( ينزل )، أو بلفظ ( هبط )، أو ( يهبط ) أو نحو ذلك.
 ومعلوم أن النزول لا يكون إلا من أعلى، فهي دالة على أن الرب - تعالى - موصوف بصفة العلو بجميع أنواعه، وأنها صفة ذاتية - كما سيأتي - وأما النزول فإنه صفة فعلية، ينزل إذا شاء ، وفي الحديث : أنه ينزل كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، وأنه يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له يتودد إلى عباده وهو عنهم غني.
وإذا آمنا بهذه الصفة فإننا نكل كيفيتها إلى الله الذي أثبتها لنفسه، ولا نتقعر في ذلك، ولا نبالغ في الإنكار ، بل نقول: ينزل كما يشاء، فإذا قالوا: إن النزول يستدعي الحركة ، أو أن يخلو منه العرش ، أو أن يكون بعض المخلوقات فوقه ، أو أن يكون محصورًا.
قلنا: سبحان الله وبحمده، تعالى الله عن أن تدركه الظنون، وأن تتخيله الأفهام، وأن تمثّله الأوهام، تعالى الله عن ذلك ، بل الرب سبحانه وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ونزوله يليق به، ولا يماثل أحدًا من خلقه في هذه الصفة.
وقد تكلم على هذا الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالة مستقلة بعنوان ( شرح حديث النزول ) وهي رسالة قد تقرب من ستين صفحة أو أكثر في بعض الطبعات، كلها على هذا الحديث، وما ذاك إلا لكثرة الخوض فيه، حيث رفع إليه هذا السؤال، وكان من جملة ما أشكل على السائل الذي أنكره - قال: إن الليل يختلف باختلاف البلاد، فقد يكون ثلث الليل في هذا البلد ضحى ونهارًا في بلد آخر، فيلزم من ذلك أن يكون النزول مستمرًا عند كل أهل جهة في ثلث ليلهم ؟ .
أجاب شيخ الإسلام أنه لا مانع ؛ فإن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، ولا مانع أن ينزل عند هؤلاء وهؤلاء كما يشاء، وأيضا يمكن أن يختص النزول ببلاد المسلمين .
 وبكل حال ؛ نثبت هذه الصفة ولا نردها - لماذا؟ - لأن الله تعالى على كل شيء قدير، ولأن الذين نقلوها هم الذين نقلوا جميع الأحكام، فإذا رددناها لزم أن نطعن فيهم وفيما نقلوه، ونخطئهم، ولهذا يقول أبو الخطاب الكلوذاني في عقيدته:
قالوا:النزول؟ فقلت: ناقله لنا
قوم هـم نقلوا شريعة أحمـد
قالوا: فكيف نزوله؟ فأجبتهم: لم يُنْقلِ التكييف لي فـي مسند
يقول: ناقلوه لنا هم الذين نقلوا الشريعة، فكيف نرد هذا النقل ونقبل أمثاله وعشرات الأمثال له؛ لمجرد أن العقل أنكر هذا في زعمكم؛ مع أنه زعم خاطئ ؟، وإذا أثبتناه فلا نخوض فيما وراء ذلك - كما تقدم - مع أننا لا نقول: إن نزوله يشبه نزول الإنسان من كذا وكذا؟ فإن هذا خطأ.
 وخطَّأ العلماء النقل الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته، حيث ذكر أنه وصل إلى دمشق - يقول: فوجدت فيها ابن تيمية وإذا هو على المنبر يتكلم على النزول، فقال: إن الله ينزل كنزولي هذا - يعني: من المنبر - قالوا: هذا كذب على ابن تيمية من ابن بطوطة فابن تيمية قد تكلم على النزول في هذا الحديث ولم يقل إنه كنزولي من على المنبر، أو نزولي من السطح، أو نحو ذلك، بل قال: ينزل كما يشاء ، ثم خطؤوه أيضًا، وقالوا: إن ابن بطوطة لما أتى إلى دمشق كان ابن تيمية قد سجن في القلعة فكيف رآه ؟ مما يدل على أنه كذب هذه الكذبة، أو تلقاها من بعض الكاذبين، فلا يقال: إن ابن تيمية يمثل النزول بنزول الإنسان، وحاشاه من ذلك.